نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المجلد 3

اشارة

رجع:

[167- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن سعيد.]

167- و من الوافدين من الأندلس إلي المشرق الأديب الحسيب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن سعيد.

و كان صعب الخلق، شديد الأنفة، جري بينه و بين أقاربه ما أوجب خروجه إلي أقصي المشرق، و في ذلك يقول، و كتب به إليهم: [بحر الخفيف]

من لصبّ يرعي النجوم صبابه ضيّع السير في الهموم شبابه

زدت بعدا فزدت فيه اقترابا بودادي كذاك حكم القرابه

منزلي الآن سمرقند و بالقل عة ربع وطئت طفلا ترابه

شدّ ما أبعد الفراق انتزاحي هكذا الليث ليس يدري اغترابه

لا و لا أرتجي الإياب لأمر إن يكن يرتجي غريب إيابه

و كتب لهم من بخاري: [بحر الوافر]

إذا هبّت رياح الغرب طارت إليها مهجتي نحو التلاقي

و أحسب من تركت به يلاقي إذا هبت صباها ما ألاقي

فيا ليت التفرق كان عدلا فحمل ما يطيق من اشتياقي

و ليت العمر لم يبرح وصالا و لم يحتم علينا بالفراق

إذا كان الشوق فوق كل صفة، فكيف تعبّر عنه الشفة، لكن العنوان دليل علي بعض ما في الصحيفة، و الحاجب قد ينوب في بعض الأمور مناب الخليفة، و ما ظنكم بمشوق طريح، في يد الأشواق طليح، يقطع مسافات الآفاق يتلقب تقلب الأفياء، و يتلون تلون الحرباء،

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 3، ص: 4

حتي كأنه يخبر مساحات الأرض، ذات الطول و العرض، و يجوب أهوية الأقاليم السبع، خارجا بما أدخله فيه اللجاج عن السمع، فكأنه خليفة الإسكندر، لكن ما يجيش من هموم الغربة بفكري قائمة مقام الجيش و العسكر، جزت إلي بر العدوة من الغرب الأقصي، ثم تشوقت نفسي فطمحت إلي مشاهدة الغرب الأوسط فلاقيت فيما بينهما من المسافة من المشاق ما لا يحصي، ثم تشوقت إلي إفريقية درب بلاد الشرق، فاستشعرت