نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المجلد 8

اشارة

الباب الخامس

[خطبة كتاب في المحبة للسان الدين]

و من نثر لسان الدين رحمه اللّه تعالي خطبة كتاب في المحبة الذي ما ألف في فنّه أجمع منه، و لنوردها فإنّ فيها دلالة علي فضله و عظم قدر الكتاب، و هي: «اللهمّ طيّب بريحان ذكرك أنفاس أنفسنا الناشقة، و علّل بجريال حبّك جوانح أرواحنا العاشقة، و سدّد إلي أهداف معرفتك نبال نبلنا الراشقة، و استخدم في تدوين حمدك شبا أقلامنا الماشقة، و دلّ علي حضرة قدسك خطرات خواطرنا الذائقة، و أبن لنا سبل السعادة التي جعلت فيها الكمال الأخير لهذه الأنفس الناطقة، و اصرفنا عند سلوكها عن القواطع العائقة، حتي نأمن مخاوف أجبالها الشاهقة، و أحزابها المنافقة، و أوهامها الطارقة، و برازخها الغاسقة، فلا تسرق بضائعنا العوائد السارية السارقة، و لا تحجبنا عنك العوارض الجسمية اللاحقة، و لا الأنوار المغلظة البارقة، و لا العقول المفارقة، يا من له الحكمة البالغة و العناية السابقة، و صلّ علي عبدك و رسولك محمد درّة عقود أحبابك المتناسقة، و جالب بضائع توحيدك النافقة، المؤيد بالبراهين الساطعة و المعجزات الخارقة، ما أطلعت أفلاك الأدواح زهر أزهارها الرائقة، وحدت قطار السحائب حداة رعودها السائفة، و جمعت ريح الصّبا بين قدود أغصانها المتعانقة.

«أمّا بعد، فإنه لمّا ورد علي هذه البلاد الأندلسية المحروسة بحدود سيوف اللّه حدودها، الصادقة بنصر اللّه للفئة القليلة علي الفئة الكثيرة وعودها، و صل اللّه تعالي عوائد صنعه الجميل لديها، و أبقاها دار إيمان إلي أن يرث اللّه تعالي الأرض و من عليها- «ديوان الصبابة» - و هو الموضوع الذي اشتمل من أبطال العشّاق علي الكثير، و استوعب من أقوالهم الحديثة و القديمة كلّ نظيم و نثير، و أسدي في غزل غزله و ألحم، و دلّ