نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المجلد 9

اشارة

في ذكر بعض تلامذته الآخذين عنه المستدلّين به علي المنهاج، المستفيدين أنواع العلوم منه و المقتبسين أنوار الفهوم من سراجه الوهّاج.

اعلم أنّ تلامذة لسان الدين رحمه اللّه تعالي كثيرون، إلّا أنه لم يرزق السعادة في كثير منهم، بل بارزوه بالعداوة، و اجتهدوا في إيصال المكروه إليه.

[الوزير أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن زمرك، الصريحي، ترجمة عن «الإحاطة»]

فمن أشهرهم الوزير الكاتب أبو عبد اللّه بن زمرك، وارث مرتبته من بعده، و مقتعد أريكة سعده، و قد ألمع به في «الإحاطة» و كان إذ ذاك من جملة أتباعه، إذ قال ما محصّله:

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي، يكني أبا عبد اللّه، و يعرف بابن زمرك.

أصله من شرقي الأندلس، و سكن سلفه ربض البيازين من غرناطة، و به ولد و نشأ، و هو من مفاخره.

حاله- هذا الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس، و أفراد نجبائها، مختصر مقبول، هشّ، خلوب، عذب الفكاهة، حلو المجالسة، حسن التوقيع، خفيف الروح، عظيم الانطباع، شره المذاكرة، فطن بالمعاريض، حاضر الجواب، شعلة من شعل الذكاء، تكاد تحتدم جوانبه، كثير الرقة، فكه، غزل مع حياء و حشمة، جواد بما في يده، مشارك لإخوانه. نشأ عفّا طاهرا، كلفا بالقراءة، عظيم الدّؤوب، ثاقب الذهن، أصيل الحفظ، ظاهر النّبل، بعيد مدي

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 9، ص: 4

الإدراك، جيّد الفهم، فاشتهر فضله، و ذاع أرجه، و فشا خبره، و اضطلع بكثير من الأغراض، و شارك في كثير من الفنون، و أصبح متلقّف كرة البحث، و صارخ الحلقة، و مظنّة الكمال. ثم ترقّي في درجة المعرفة و الاضطلاع، و خاض لجّة الحفظ، و ركض قلم التقييد و التسويد و التعليق، و نصب نفسه للناس متكلّما فوق الكرسي المنصوب، و فوق المحفل المجموع،